سورة النحل - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{الذين تتوفاهم الملائكة} وقرأ حمزة بالياء. وقرئ بإدغام في التاء وموضع الموصول يحتمل الأوجه الثلاثة {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} بأن عرضوها للعذاب المخلد. {فَأَلْقَوُاْ السلم} فسالموا وأخبتوا حين عاينوا الموت. {مَا كُنَّا} قائلين ما كنا. {نَعْمَلُ مِن سُوء} كفر وعدوان، ويجوز أن يكون تفسيراً ل {السلم} على أن المراد به القول الدال على الاستسلام. {بلى} أي فتجيبهم الملائكة بلى. {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فهو يجازيكم عليه، وقيل قوله: {فَأَلْقَوُاْ السلم} إلى آخر الآية استئناف ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة، وعلى هذا أول من لم يجوز الكذب يومئذ {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء} بأنا لم نكن في زعمنا واعتقادنا عاملين سوءاً، ويحتمل أن يكون الراد عليهم هو الله تعالى، أو أولوا العلم.


{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} كل صنف بابها المعد له. وقيل أبواب جهنم أصناف عذابها. {خالدين فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} جهنم.
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} يعني المؤمنين. {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} أي أنزل خيراً، وفي نصبه دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب، وأطبقوه على السؤال معترفين بالإِنزال على خلاف الكفرة. روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الوافد المقتسمين قالوا له ما قالوا وإذا جاء المؤمنين قالوا لهم ذلك. {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} مكافأة في الدنيا. {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} أي ولثوابهم في الآخرة خير منها، وهو عدة للذين اتقوا على قولهم، ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلاً وتفسيراً ل {خَيْرًا} على أنه منتصب ب {قَالُواْ}. {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} دار الآخرة فحذفت لتقدم ذكرها وقولِه: {جنات عَدْنٍ} خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح. {يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} من أنواع المشتهيات، وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإِنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة. {كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين} مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول.
{الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ} طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ}. وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس. {يَقُولُونَ سلام عَلَيْكُمُ} لا يحيقكم بعد مكروه. {ادخلوا الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم. وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ.
{هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظر الكفار المار ذكرهم. {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم. وقرأ حمزة والكسائي بالياء. {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ} القيامة أو العذاب المستأصل. {كذلك} مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب. {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} فأصابهم ما أصابوا. {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بتدميرهم. {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه. {فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف، أو تسمية الجزاء باسمها. {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وأحاط بهم جزاؤه والحيق لا يستعمل إلا في الشر.
{وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء نَّحْنُ وَلا ءَابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ من شيء} إنما قالوا ذلك استهزاء أو منعاً للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيها، أو إنكاراً لقبح ما أنكر عليهم من الشرك وتحريم البحائر ونحوها محتجين بأنها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم ولشاء خلافه، ملجئاً إليه لا اعتذاراً إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم، وفيما بعده تنبيه على الجواب عن الشبهتين.
{كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله. {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} إلا الإِبلاغ الموضح للحق وهو لا يؤثر في هدى من شاء الله هداه لكنه يؤدي إليه على سبيل التوسط، وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقاً بل بأسباب قدرها له، ثم بين أن البعثة أمر جرت به السنة الإِلهية في الأمم كلها سبباً لهدى من أراد اهتداءه وزيادة لضلال من أراد ضلاله، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضر المنحرف ويفنيه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} يأمر بعبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت. {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله} وفقهم للإِيمان بإرشادهم. {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة} إذ لم يوفقهم ولم يرد هداهم، وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية لما فيه من الدلالة على أن تحقق الضلال وثباته بفعل الله تعالى وإرادته من حيث أنه قسم من هدى الله، وقد صرح به في الآية الأخرى. {فَسِيرُواْ فِى الأرض} يا معشر قريش. {فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} من عاد وثمود وغيرهم لعلكم تعتبرون.
{إِن تَحْرِصْ} يا محمد. {على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} من يريد ضلاله وهو المعني بمن حقت عليه الضلالة. وقرأ غير الكوفيين {لاَّ يَهِدِّي} على البناء للمفعول وهو أبلغ. {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} من ينصرهم بدفع العذاب عنهم.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} عطف على {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ} إيذاناً بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة في البيت على فساده، ولقد رد الله عليهم أبلغ رد فقال: {بلى} يبعثهم. {وَعْداً} مصدر مؤكد لنفسه وهو ما دل عليه {بلى} فإن يبعث موعد من الله. {عَلَيْهِ} إنجازه لامتناع الخلف في وعده، أو لأن البعث مقتضى حكمته. {حَقّاً} صفة أخرى للوعد. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أنهم يبعثون وإما لعدم علمهم بأنه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها، وإما لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه، ثم إنه تعالى بين الأمرين فقال: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} أي يبعثهم {لِيُبَيّنَ لَهُمُ}. {الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهو الحق. {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين} فيما يزعمون، وهو إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة، وهو المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب ثم قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وهو بيان إمكانية وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد، وإلاَّ لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده، ونصب ابن عامر والكسائي هاهنا وفي (يس) فيكون عطفاً على نقول أو جواباً للأمر.


{والذين هاجروا فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرون ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة وبعضهم إلى المدينة، أو المحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وأبو جندل وسهيل رضي الله تعالى عنهم، وقوله. {فِي الله} أي في حقه ولوجهه. {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدنيا حَسَنَةًً} مباءة حسنة وهي المدينة أو تبوئة حسنة. {وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ} مما يعجل لهم في الدنيا. وعن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه كان إذا أعطى رجلاً من المهاجرين عطاء قال له خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل. {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} الضمير للكفار أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقوهم، أو للمهاجرين أي لو علموا ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9